بحر من السرور مـــدير عام مشرف عام
عدد المساهمات : 1241 تاريخ التسجيل : 06/09/2009 موطنك : سوري
| موضوع: عروس الببغاء الإثنين سبتمبر 28, 2009 5:21 am | |
|
بقلم
سعيد العريان , أمين دويدار , محمود زهران
تم تأليف هذه القصة سنة 1974 م
مسجلة تحت رقم 3797\1974 دار المعارف للنشر
تم التنقيح والكتابة الكترونية بإشراف ملتقى الأخوة الشامل
يمنع النشر أو التعديل تحت طائلة الملاحقة القانونية 2009 م
عروس الببغاء
* كان (أبو ثريا) غنياً واسع الثروة , يملك كثيراً من القصور والضياع , ويسكن قصراً جميلاً فخماً به حديقةٌ غنَاء , فيها كثير من الأشجار المثمرة , والأزهار الناضرة .
ولم يكن له أولاد إلا (ثريا) , فكان يحبها حباً جماً , ويحضر لها كل ما تشتهي من ثياب وزينة . لكنها كانت بنتاً متكبرة , مغرورة بغنى أبيها , تظن نفسها أحسن الناس وأرقاهم , وتحتقر كل من تراه .
وكان أبوها كثيراً ما يحذرها عاقبة الغرور وينهاها عن الكبر , ويقول لها : (( ثريا , لا تتكبري على الناس , ولا تستهزئي بأحد , فإن الله لا يحب المتكبرين ! ))
ولكن ثريا , كانت لا ترجع عن عادتها ولا تتوب , حتى كبرت وصارت عروساً.
وكان من عادة أبيها , أن يحتفل بعيد ميلادها في كل عام , فلما جاء الميعاد , أخذ يستعد لحفلة الشاي العظيمة التي تعود أن يقيمها في مولد ثريا , فزين القصر زينةً بديعة , ومد موائد الشاي في ساحته الواسعة , ودعا كثيراً من الوجهاء والكبراء , والأهل والأصدقاء.
وفي الموعد المحدود أقبل المدعوون على القصر , واحداً بعد واحد , وجماعة بعد جماعة , من شيوخٍ وشبان وفتياتٍ وفتيان , حتى امتلأت بهم الغرف , وغصت بهم الحديقة .
ولما انتظم عقد الجميع , قاموا إلى ساحة القصر , فاستداروا حول سماط ممدود ( بوفيه) رصت عليه الأباريق والأكواب والسكاكين والأشواك وصفت الأقداح والملاعق وطويت الفوط الخطى في عظمةٍ وكبرياء فلما رآها الجالسون هشوا لها جميعاً , وقاموا يهنئون بعيد ميلادها , فترد عليهم بكلمات قصيرة وتحييهم تحيات فاترة وتنظر فيهم وتتأمل كأنما لا يعجبها أحد , وصارت تنكت عليهم وترميهم بكلمات باردة وألفاظ ثقيلة , وكلما رأت واحداً منهم غريب الشكل تهكمت به وسخرت منه .
رأت رجلاً سميناً كبير البطن , فقالت وهي تشير إلى كرشه وتضحك : (( أهذا كيس من القطن , أم برميل من الخل ..؟ )) وأبصرت رجلاً طويل القامة فقالت له : (( من فضلك ناولني نجماً من السماء ...! )) ونظرت إلى شخص قصير جداً فقالت ضاحكة : (( هل أنتَ من بلاد الإسكيمو ؟ احذر أن يدوسك الناس وهم لا يشعرون ...؟)) ورأت آخر أحمر الوجه فسمته (( عرف الديك )) .
وهكذا ظلت ثريا تسخر من الضيوف وهم ساكتون إكراماً لأبيها , يتضاحكون على غيظ حتى جاء شاب وجيه متأنق يلبس حلة خضراء وقميصاً أصفر ورباطاً مزوقاً في عنقهِ ويتدلى من جيبه منديله الحريري الأبيض وعلى رأسه طربوشه الأحمر القاني , فجعلت ثريا تصوب النظر فيه وتصعده ثم مالت على فتاة بجنبها وقالت : ما له مختلف الألوان كالببغاء ..؟؟
وضحكت بصوت عالٍ فلم يفهم الشاب : من أي شيءٍ تضحك وظن أنها فرحانة بعيد ميلادها فتقدم الشاب نحوها يقول : أهنئكِ بعيد ميلادك يا ثريا وأتمنى لك دوام السعادة والسرور! .
فقهقهت ثريا ضاحكة وقالت : ببغائي , ببغائي أنتَ شبه الفصحاء
فخجل الفتى واحمر وجهه وخرج من الحجرة غضبان ليشكوها إلى أبيها فلما علم أبوها بذلك غضب غضباً شديداً وجعل يعتذر إلى الشاب مما قالت ثريا وأخذ الحاضرون يمازحونه ويضحكونه فقال واحد منهم : وماذا عليك لو أسميناك الببغاء ؟ إنه اسم ظريف خفيف ! فضحك الشاب وضحك الجميع .
وقام أبو ثريا يبحث عنها ليؤنبها على وقاحتها ولكنها اختفت خوفاً منه فحلف أن يعاقبها عقاباً شديداً .
ولما انتهت السهرة وراح المدعوون ناداها أبوها وقال لها : هل يليق أن تستهزئي بالضيوف يا ثريا ؟
فأجابته : أنا لم أستهزئ بهم يا أبي ولكني كنت أمزح ! .
فقال لها : لا يجوز أن تمزحين مع الكبار
فقالت : أتمنعني من الضحك يا أبي ؟؟؟
فقال لها : إنك بنت قليلة الحياء سيئة الخلق ولا بد أن أودبك على طول لسانك !
ثم تركها ومضى غضبان!
وبعد أيام نزلت ثريا إلى الحديقة كعادتها وجلست تقرأ في كتاب فسمعت ألحاناً مطربة وغناءً مشجياً فالتفتت , فإذا رجلٌ بالباب في هيئة الشحاذين معفر الوجه وسخ الثياب عليه خلقان مرقعة يعزف على قيثارة في يده ويغني بصوت جميل فجعلت تصغي إليه وهي مدهوشة من جمال صوته وحسن توقيعه.
وبينما هي تستمع جاء أبوها فقال لها : (( هل تصدقتِ على هذا الشحاذ بشيء ؟))
فقالت: لا يا أبتِ ! فنظر إليها نظرة العتاب وقال : أحب أن تعطفي دائما على المساكين يا ثريا ! هيا اذهبي فهاتي له شيئاً يأكله ! فذهبت ثريا إلى الطباخ , وأمرتهُ أن يحضر بعض الطعام , ورجعت هي لتستمع إلى غناء الشحاذ , فرأته جالساً في الحديقة على مقربة من أبيها يتحادثان فاستعجبت وقالت : أبي ...! أتحادث الشحاذين ؟؟
فقال أبوها : أوليس الشحاذون ناساً مثلنا يا ثريا ..!
فلوت وجهها وقالت : مثلنا ..؟؟ أهذا الصعلوك الحقير مثلنا ؟؟ إنه لا يليق أن يدخل حديقتنا فيوسخها ..!
فظهر على أبيها الغيظ والغضب وأخذ يوبخها ويقول لها : إنكِ بنتٌ متكبرة طويلة اللسان ! هل نسيتِ ما فعلت بضيوفي يوم عيد ميلادك ؟ ومن تعجبين أنت أيتها المغرورة ؟ إن هذا الشحاذ الذي تحتقرينه لا يرضى بمثلك زوجة له لأنكِ سيئة الخلق لا تصلحين لشيء !!
فضحكت ثريا فقال أبوها : لماذا تضحكين ؟ هل حسبتِ أني أمزح ؟ ثم التفتَ إلى الشحاذ وقال : أترضى أن تتزوج هذه الفتاة أيها الرجل ؟ فقال الشحاذ : من أجلك أنتَ يا سيدي أقبل زواجها وأكون سعيداً ! , فلطمتهُ ثريا على وجهه وقالت : أخرس أيها الصعلوك أخرج من هنا !! ,
فوضع أبوها يده في يد الرجل وقال : قد زوجتك ثريا ! فقال الرجل : قد قبلتُ وإنه لشرف عظيم يا سيدي أن أكون زوج ابنتكَ ! فقال أبوها : لكَ الآن أن تأخذها إلى بيتك فهي زوجتك , فتقدم الشحاذ نحوها وأمسك بيدها فنتشت يدها منه بقوة وقالت : ما هذا المزاح يا أبي ؟
فقال أبوها في لهجة الجد : لا شأن لي بكما ! أنتِ زوجتهُ وعليكِ طاعته ! ثم تركها ومضى .
فاضطربت ثريا واصفر وجهها وجرت تستغيث بأبيها ولكن الشحاذ قبض على يدها بقوة وجرها وراءه فأخذت تبكي وتصيح وتحاول الإفلات منه فلا تستطيع فلما رأت نفسها في الشارع خشيت أن يسمع الجيران صوتها أو يراها أحد في هذه الحالة فكفت عن البكاء واستسلمت ومشت وراءه مدهوشة ذاهلة فلما رآها ساكتة التفت إليها يقول : مبارك يا عروسي الجميلة ! أنا سعيدٌ جداً بكِ وسأجعلكِ أسعد امرأة في هذه الدنيا ...!
فتحدرت دموعها وظلت تفكر في المصيبة التي نزلت بها وتندب حظها وتقول : يا مصيبتي
ويا سوء حظي ! ليتني لم أغضب أبي !
وظل الرجل يحادثها وهي لا ترد عليه ويمشي بها لا تعرف أين يذهب حتى وصلا إلى مزرعة واسعة يشتغل فيها الفلاحون بجد ونشاط
فقال لها الشحاذ : أتدرين يا ثريا لمن هذه المزرعة ؟ إنها ملك الببغاء وأهل هذه الناحية جميعاً يعيشون في نعمته .
فأرسلت نظرها في حسرة وألم وقالت في نفسها : ليتني لم أسخر من ذلك الشاب الغني ولم أسمه بالببغاء ! .
وظل الشحاذ يمشي بها والمزرعة لا تكاد تنتهي حتى مرا ببستان عظيم كله أشجار وأثمار وكان التعب قد أضناها فجلست تستريح في ظل شجرة وارفة فلما أحست طراوة الظل تذكرت بساتين أبيها فغلبها البكاء فجعلت تبكي وتنوح والشحاذ يهدئها فلا تهدأ ويسكتها فلا تسكت فقال لها : إلى متى تبكين يا ثريا ؟ دعي عنك هذا الحزن وهيا بنا نمشي في هذا البستان الجميل فأريكِ ما فيه من شجر ملتف الأغصان وزهرٍ مختلف الألوان !
قومي انظري إلى فاكهته الناضجة وثمره اليانع وقطوفه الدانية واقطفي منها ما تحبين وكلي ما تشتهين ثم استريحي على عشبه الأخضر الرطب ولا تجلسي على هذا الحشيش الجاف فإنه يؤذي جسمكِ الناعم !
قومي يا عروسي الجميلة فامشي بين الأزهار والأشجار وتمتعي بالنسيم العليل والجو الرائق ! إن هذا البستان ملك الببغاء وهو كريم طيب القلب لا يمنع الفقراء من دخول بستانه !.
ثم قاما يمشيان فأبصرت قصراً مشيداً في وسط البستان تطل شرفاته على الحديقة ويحيط به عريش الكرم تتدلى منه العناقيد كأنها مصابيح الكهربا ومن حوله الأزهار متفتحة زاهية تروق العيون وتشرح الصدور.
فالتفت إليها الشحاذ وقال : وهذا القصر أيضاً ملك الببغاء , فاغتاظت ثريا غيظاً شديداً وقالت له : أنا لم أسألك عن شيء أيها الرجل فلماذا تضايقني بالكلام ؟ .
فأجابها الشحاذ : لا تغضبي يا عروسي الجميلة , أنما أعرفكِ بسيدي الببغاء الذي نعيش في مملكته ! , فقالت ثريا : ألا تريد أن تسكت ؟ أنني لا أحب أن أسمع صوتك! .
فقال الشحاذ : حسبتكِ تطربين لصوتي كما كنتِ تطربين لأنغام قيثارتي ! فازداد بها الغيظ وخنقتها الدموع ولكنها كظمت غيظها !
وظلا يمشيان حتى وصلا إلى كوخ حقير على شاطئ النهر فقال الشحاذ : وهنا بيتنا فادخلي واستريحي يا عروس فقد تعبت كثيراً .
فنظرت ثريا إلى الكوخ فإذا حيطانه من فروع الشجر وعرشه من الحطب والجريد فانغمت لمنظره أشد الغم ودخلت تقلب النظر فيه فلم تجد من الفرش إلا حصيراً بالياً ومخدة من القش فنظرت إلى الشحاذ غاضبة وقالت : أهذا بيت ؟ أين الأسرة والأرائك والأبسطة والستائر والمصابيح ؟ وأين المعزف الذي أسلى به نفسي والمرآة التي آخذ فيها زينتي والصور التي أزين بها بيتي , و....و....؟
فقهقه الشحاذ ساخراً وقال : كفى كفى يا عروسي السناء ! من أين لنا كل هذا ؟ قولي : أين الخبز والإدام فنجن أحوج إليهما من كل ما تذكرين فجلست تبكي وتنتحب وتذكرت قصر أبيها العظيم وحديقته الجميلة ونعمته الواسعة فتحسرت على أيام العز والنعيم وتندمت على ما كان من كبريائها وأنفتها .
فجعل الشحاذ يلاطفها ويسليها ويقول لها : لماذا تبكين يا ثريا ؟ إن كنتِ جائعة فعندنا طعام , أو كنتِ ظامئة فهذا الماء في النهر وكل شيء عندنا موفور هنا الفضاء الواسع نسرح فيه ونمرح وهنا الشمس الساطعة تنير لنا وتدفئنا وهنا النسيم العليل والهواء النقي والخضرة الزاهية والطيور الشادية ! فنحن أغنياء بنعمة الله يا ثريا نتمتع كأصحاب الضياع والقصور ! .
ثم مد يده في مخلاته فأخرج بعض كسر من الخبز الناشف وقطعة قديمة من الجبن ووضعها بينه وبينها وقال : كلي معي يا ثريا فإنكِ جُعتِ جداً ! , فأعرضت عنه ولم ترد عليه فجلس يأكل وحده وفي صباح اليوم التالي قال لها الشحاذ : هيا بنا إلى النهر يا ثريا لعلنا نصطاد شيئاً نأكله , فقامت ثريا متثاقلة وتبعته غلى النهر وهي مطرقة حزينة فجلسا على الشط كلما اصطاد سمكة فرح وهلل وناولها لثريا فتضعها في السلة حتى اصطاد بضع سمكات ثم رجعا والشحاذ فرحان مبتهج يقول : إن حظنا اليوم سعيد يا ثريا فقد اصطدنا سمكاً كثيراً هيا نظفيه واطبخي لنا ! , فردت عليه في خشونة وجفاف : أنا لا أستطيع أن أنظف السمك ولا أن أزفر نفسي برائحته فأجابها زوجها : فمن ينظفه إذن ؟؟ فقالت : لا أدري !
فقهقه الشحاذ ساخراً وقال : الله الله يا ثريا ! كيف تقولين هذا وأنتِ فتاة متعلمة راقية ؟ ألا تعلمين أنكِ الآن ربةُ بيت عليكِ أن تقومين بشؤونه ؟ لا يصح يا ثريا أن تقولي : لا أستطيع فإن الفتاة يجب أن تعرف كل شيء في بيتها ؟ تعالي أعلمكِ أن لم تكوني تعرفين ! .
ثم أخذ يشرح لها كيف تنظف السمك وكيف تقشر البصل وكيف تشعل النار ؟ ولم تكن ثريا تعرف من هذا كله شيئاً لأنها كانت تتكبر على الطبخ وتعد العمل في المطبخ وسخاً وقذارة فجعلت تنصت إليهِ وهي حزينة متحسرة .
ثم أمسكت السكينة تحاول أن تنظف كما علمها , فينفلت السمك من يدها وكلما أمسكته من ناحية شكها الشوك حتى سال الدم من يديها فجلست تبكي وتقول : لا أستطيع !
فقال الشحاذ : دعي السمك لي وقومي أنتِ فخرطي البصل ! فقامت تخرطه فسالت دموعها واحمر أنفها فرمت السكين وقالت : لا أستطيع !.
فقال لها الشحاذ , في تهكم واستهزاء : ودعي لي البصل أيضاً يا عروس ..! وقومي أوقدي الكانون ..! .
فتقدمت ثريا لتشعل النار فتصاعد الدخان على وجهها حتى كادت تختنق فاغتاظت وتضايقت ورفست الكانون برجلها فطاحت القدر فوقه واندلق ما فيها ....!
فغضب الشحاذ واحتد وقام إليها يؤنبها ويقول : ألا تعرفين شيئاً ؟؟ ماذا تعرفين إذن ؟ وكيف كنتِ تعيشين في بيت أبيكِ أيتها الغرة الجاهلة ؟ وما قيمة الفتاة إذا كانت لا تعرف من شؤون البيت شيئاً ؟ إنكن يا بنات الأغنياء مغرورات متعاظمات تستكبرن على عمل البيت وتحسبنه عيباً وحطة وما العيب إلا ما تضيعن فيه الوقت من لعبٍ ولهو ! أظنكِ لا تحسنين إلا السخرية من الناس والاستهزاء بخلق الله !
(( من يطبخ لنا ما دمتِ لا تعرفين شيئاً من الطبخ ؟ ومن ينظف البيت إذا كنتِ لا تمسكين المكنسة من يغسل الثياب إذا اتسخت ويرقعها إذا انخرقت ؟ وما فائدتك في البيت إذا كنتِ لا تعلمين شيئاً ؟ هل جئتِ لتزيدي عذابي وفقري ؟ ))يا مصيبتي فيكِ ويا سوء حظي ! ليتني تزوجتُ فتاة فقيرة تساعدني على العيش !
إن خيرا لي ولكِ أن تذهبي إلى قصر سيدي الببغاء فتخدمي هناك حتى تتعلمين الطبخ والغسل والكنس والمسح والنظام والترتيب وتعرفي حاجات المنزل ولوازمه ها أنا ذاهب إليه أترجاه أن يقبلكِ عنده خادمة فلعله يرضى ..؟ ثم تركها ومضى .
وكانت ثريا تسمع هذا الكلام وقلبها يتقطع ودموعها تجري ووجهها مصفر ونفسها مضطرب فلما تركها الشحاذ جلست تبكي وتنوح حتى احمرت عيناها من البكاء وعرفت أن الله قد انتقم منها جزاء كبريائها وأنفتها .
وبيمنا هي كذلك مر بها فارس شجاع يتبختر على حصانه ويتمايل فرفعت نظرها إليه فإذا هو (( الببغاء )) فخجلت وانكسفت وفرت إلى الكوخ تستخفي حتى يفوت وظلت تلوم نفسها على استهزائها به وتندرها عليه .
وبعد برهة جاء زوجها الشحاذ فقال لها: لقد رجوت سيدي الببغاء أن يأخذكِ عنده خادمة في القصر فقبل رجائي وغداً ستذهبين .
فتعلقت به ثريا وجعلت تقبل يديه ورجليه وتقول : ارحمني يا زوجي العزيز ولا تذلني كل الذل ! إن الببغاء يعرف أبي ويعرفني وقد سخرت منه مرة وهو في بيتنا وأخشى أن يراني عنده خادمة فيشمت بي ؟؟
فأجابها الشحاذ : لا أحب أن أسمع منكِ هذا الكلام الفارغ ! أتردين أن نموت من الجوع ؟ لا بد أن تساعديني في طلب الرزق ! ولا بد أن تطيعي أمري !
وفي اليوم الثاني كانت ثريا بين خدم القصر , تمسح البلاط وتكنس الأرض وتغسل الأواني وتلبس الملابس الحقيرة والخلقان القذرة وتسمع الكلام المر كلما أهملت عمل أو توانت في إجابة أمر.
وكلما شعرت بالإهانة والذل تذكرت أيامها الماضية أيام كانت في بيت أبيها سيدة مطاعة تأمر فلا يرد لها أمر وتنهى فلا يخالفها أحد فتنهمر دموعها على خديها وتنزوي وحدها في ركن من الأركان تندب أيام عزها ونعمتها .
وكان الخادمات يستعجبن لحالها ويتساءلن عن سبب بكائها فكانت تخفي عليهن أمرها وتخجل أن يعرف أحد حقيقتها .
ولكن الخادمات الماكرات احتلن عليها بأساليبهن حتى عرفن أنها فتاة متعلمة تحسن القراءة والكتابة وتجيد العزف والغناء وأنها من بيت غنى وعز , لا عهد لها بخدمة البيوت !
وبعد أيام , شاهدت ثريا في القصر حركة غير معتادة ورأت استعداداً عظيماً لاحتفال قريب فقد أقيمت الزينات ونصبت الأعلام والرايات وتدلت الكرات البراقة من حبالها بين حمراء وصفراء وخضراء وزرقاء وفرشت الحديقة بالرمل البهيج الأصفر وصفت أصص الريحان و الأزهار فيها على جوانب الطرق وتدلت المصابيح بين أوراق الشجر تزهو بألوانها الجذابة كأنها ثمر من النور وانتشرت عقود الكهربا على جوانب القصر وتلألأت أضوائها في نواحيه فصار كأنه عروس في ليلة الزفاف .
ولما جاء المساء أقبلت السيارات متلاحقة تحمل الوجهاء والعظماء من رجال ونساء .
وكانت ثريا في ثياب المطبخ فانزوت في جانب منه منكسرة ذليلة تخشى أن يراها أحد من الضيوف وهي في هذه الثياب القذرة والهيئة المحتقرة وجلست تفكر في النعيم الذي كانت فيه والبؤس الذي صارت إليه وذكرتها هذه الحفلة بتلك الحفلات العظيمة التي كانت تقام في عيد ميلادها .
وبينما هي غارقة في أفكارها سمعت رئيسة الخدم تقول : أين ثريا الخادمة ؟؟,
فقامت إليها مسرعة تقول : نعم نعم أنا هنا يا سيدتي ! , فقالت لها رئيسة الخدم بصوت حنون : أنا اعلم يا ثريا أنكِ تحسنين العزف على البيانو وقد أخبرت الضيوف أنكِ ستعزفين دوراً فتعالي معي إلى الحمام لتستحمي وتلبسي ثيابا لائقة !فترددت ثريا ولكنها لم تجد بداً من الطاعة .
فأخذتها الرئيسة إلى الحمام وألبستها ثوباً هفهافاً من الحرير الأبيض , وحلت جيدها بعقد من اللؤلؤ الثمين ووضعت على رأسها تاجاً من الألماس وزينتها وجملتها حتى ظهرت كالعروس ثم ذهبت بها إلى الضيوف وهي مطرقة الرأس من شدة الخجل فجلست إلى المعزف لا تنظر إلا أليه , وأخذت تنقر عليه بأناملها فتخرج أنغاماً جميلة مطربة وكلهم منصتون لها , معجبون بحسن توقيعها , وكلما انتهت من دور دوت القاعة بالتصفيق حتى نسيت ثريا أنها خادمة وخيل إليها أنها إحدى المدعوات في هذا الحفل البهيج .
وفيما هي منهمكة في العزف سمعت من خلفها وقع أقدام كثيرة على الأرض وضحكاً عالياً من جوانب الحجرة فالتفت فإذا زوجها الشحاذ واقف وفي يده قيثارته , وأنظار الجميع متجهة نحوه وأصابعهم تشير إليه فخجلت ثريا واصفر وجهها وطأطأت رأسها إلى الأرض مكسوفةً واغرورقت عيناها بالدموع .
فتقدم الشحاذ نحوها يقول : لقد أردت أنا أيضاً أن أطرب الضيوف بقيثارتي بعد أن تنتهي أنتِ من دوركِ يا عروس ! هل أدهشكِ وجودي في هذا المكان ؟؟؟
فازدادت ثريا خجلاً واضطراباَ , نظرت في وجوه الحاضرين فإذا هي تعرفهم جميعاً وإذا أبوها واقف بينهم فدارت بها الأرض, وارتمت على صدر أبيها ثم انفجرت باكية .
حينذاك ربت أبوها على ظهرها , وضمها إلى صدره وقال لها : لا تخافي ولا تحزني يا ثريا فقد انتهى عقابكِ ! لقد رأيناكِ متكبرة مغرورة فأردنا أن نعطيكِ درساً ينزع من نفسك الكبر والغرور ....؟؟
وفي ذلك الوقت كان الشحاذ يضحك ويقهقه ثم رمى قيثارته ونزع ثياب الشحاذ عن جسمه ومسح وجهه بمنديله فإذا هو (( الببغاء )) نفسه في حلته الخضراء وقميصه الأصفر وربطة عنقه المزوقة كما رأته في ليلة عيد ميلادها .
فأخذت ثريا تنظر إليه وهي مدهوشة حائرة , ثم عادت تنظر إلى أبيها فإذا هو مستغرق في الضحك وإذ جميع الحاضرين يضحكون فسألت أباها في خجل وارتباك : ما هذا يا أبتِ ؟؟
فقهقه أبوها ضاحكاً وقال : ألا تعلمين ؟؟ إنها ليلة زفافك يا ثريا وهذا عريسكِ الشحاذ وهو هو الببغاء نفسه الذي كنتِ تسخرين منه وتستهزئين به لقد كانت حيلة بديعة أردنا بها أن نعلمك التواضع واحترام الناس ,وأظنكِ بعد الآن لن تتكبري على أحد .
ثم وقف بينها وبين الببغاء يهنئهما بهذا الزواج السعيد فارتفعت الزغاريد في كل مكان وصدحت الموسيقى بأعذب الألحان , وتقدم الجميع لثريا يهنئونها وهم ينشدون :
انتهى عهد الشقاء
يا عــــروس الببغاء
فلتعيــــشا في هناء
وســــرور وصـــــفاء ................................
| |
|
الحب الاول
عدد المساهمات : 30 تاريخ التسجيل : 16/09/2009 موطنك : في بلاد الله
| موضوع: رد: عروس الببغاء الثلاثاء سبتمبر 29, 2009 4:35 am | |
| في الحقيقة قصة كتير حلوة وفيها عبرة كبيرة وهي عدم التكبر والغرور الله يسلم ايدك يا بحر من العطاء مشكور جدا اخي | |
|
???? زائر
| موضوع: رد: عروس الببغاء الثلاثاء سبتمبر 29, 2009 4:53 am | |
| قصة رائعه قرأتها وأنا صغيرة وكنت معجبة بتلك القصه حقا سلمت اناملك على هذه القصه |
|
بحر من السرور مـــدير عام مشرف عام
عدد المساهمات : 1241 تاريخ التسجيل : 06/09/2009 موطنك : سوري
| موضوع: رد: عروس الببغاء الثلاثاء سبتمبر 29, 2009 4:55 am | |
| شكرا الحب الاول وقلب الماس مروركم كتير حلو يسلمو
| |
|
abo zaid
عدد المساهمات : 17 تاريخ التسجيل : 30/09/2009 موطنك : syria
| موضوع: رد: عروس الببغاء الأربعاء سبتمبر 30, 2009 5:48 pm | |
| قصة رائعة مشكور أخي الكريم كما أنها من القصص القديمة الجميلة المعبرة | |
|
ينبوع الأمل مشــرفة عــامه
عدد المساهمات : 1602 تاريخ التسجيل : 07/09/2009 موطنك : فراشة الملتقى
| موضوع: رد: عروس الببغاء السبت أكتوبر 03, 2009 7:12 am | |
| قصه في منتهى الروعه والجمال تسلم ايدك خيو بحر | |
|
بحر من السرور مـــدير عام مشرف عام
عدد المساهمات : 1241 تاريخ التسجيل : 06/09/2009 موطنك : سوري
| موضوع: رد: عروس الببغاء الأربعاء أكتوبر 07, 2009 1:23 pm | |
| | |
|