بحر من السرور مـــدير عام مشرف عام
عدد المساهمات : 1241 تاريخ التسجيل : 06/09/2009 موطنك : سوري
| موضوع: الضاحية الأحد سبتمبر 13, 2009 1:45 am | |
| الضاحية
ضاحية بيروت الجنوبية التي دمرتها القنابل والصواريخ “الإسرائيلية” وكادت تزيلها من الوجود كانت، ذات يوم، ملجأ لكل الفقراء والمحرومين في لبنان، ومعطفا بشريا للمقاومة الفلسطينية، فكل البؤساء الذين يبحثون عن حل سياسي لمشكلاتهم الاقتصادية، وعن تسوية ايديولوجية لمعاناتهم، كانوا موجودين فيها، وكان التداخل اللبناني الفلسطيني مثيرا. لا هوية للعذاب.. كما لا هوية للأمل. وكان الناس يمتزجون بالناس حتى شعر ابن حي السلم ان العثور على غرفة اضافية تستوعب اطفاله الذين ينامون فوق بعضهم بعضا يرتبط ارتباطا جدليا بعودة نابلس الى اهلها، وكان ابن حي الرويس يؤمن أن توفر المال لشراء ملابس جديدة لأولاده يوم العيد يرتبط بتحرير حيفا ويافا وعكا، وكان الأمل، بل المستحيل، هو الذى يوفر الغرفة الإضافية والملابس للأطفال. وكان سكان الضاحية الذين توافدوا من المناطق المهملة والمحرومة في لبنان يملكون مخزونا هائلا من اليأس والغضب، فقد قرأوا سارتر وكامو ورأس المال، وعرفوا الوجودية والعبث والسأم، كما قرأوا جيفارا وأعجبوا بالكفاح الثوري في نيكاراجوا وفيتنام. وكانوا يشعرون إنهم “مهجرون”، مثلهم مثل الفلسطينيين، وبالفعل فقد كانوا نسخة عن الفلسطينيين الذين دفعوا الى خارج مدنهم وقراهم. وكانت هنالك مقولة شهيرة لموسى الصدر لا تزال تستخدم حتى اليوم في المقارنة بينهم وبين الفلسطينيين هي: “المحرومون من وطنهم، والمحرومون في وطنهم”. ولكم كان مثيرا منظر ابناء الضاحية الذين تقلهم البوسطات في الصباح باتجاه المصانع والأسواق والمرافىء. اما في الليل فقد كانت ضاحيتهم عبارة عن مساحة هائلة من التعب الذي ينام مع العتمة بين تلك البيوت الصغيرة، دون ان ننسى ان خيول السباق التي كانت للكبار الكبار على مقربة منهم كانت تعيش في اسطبلات واسعة. يتحدثون عن الأطفال الذين ما ان يمضغوا اللقمة الصعبة حتى يشعروا بذلك الشيء الذى صنع عقولهم الصلبة، وصمودهم الذي لا نهاية له. والحقيقة ان العقول الصلبة ولدت هناك، ولم تكن الغرف الضيقة تتسع للولد والهواء معا، ولهذا السبب قال جورج امادو وهو يصف الحياة في ازقة ريو ديجانيرو: “كان انتماؤهم الى الأرض، لأنهم لم يستنشقوا قط كمية كافية من الهواء”. لكن رجال اللقمة الصعبة كانوا يجدون الوقت الكافي للهواء الكافي، ولكي يمضغوا بين اسنانهم ما قاله كبار قادة الثورات في العالم. لم يكن سكان الضاحية يعرفون ان الأشياء الصغيرة التي يقومون بها ستصبح ذات يوم الواجهة الأساسية لأزمة الشرق الأوسط. اشياء كثيرة حدثت، ويقال ان الضاحية خرجت من “الحالة الفلسطينية” بسبب ما سماه قطب فلسطيني بارز ب “يوميات الخطأ”، ولكنها أبدا لم تخرج عن إيمانها بطروحات هذه الحالة، وما زال الفقير الذي يعود من عمله في المساء مرهقا وليس في يده إلا ربطة من الخبز لأولاده يعتقد إنه لولا “إسرائيل” لكانت الربطة سلة فواكه ولحوماً طازجة. ولا يزال ينام بينما مرجل الغضب يغلي في نفسه ونفوس أطفاله. ماذا نقول عن الضاحية التي عرف أطفالها الاستشهاد من أجل القضية قبل أن يعرفوا الكلام؟ عندما غزت “إسرائيل” لبنان عام ،1982 فكرت في اقتحام الضاحية، ولكن حساباتها كشفت إنها بحاجة إلى آلاف الدبابات والأليات، وآلاف القتلى من جنودها، فعدلت عن الفكرة، وعندما دخلت القوات السورية لبنان عام 1976 فكرت في دخول الضاحية أيضا، من أجل احتواء الحالة الإيرانية فيها، ولكنها تراجعت. وليس صحيحا أن الضاحية دخلت في “الحالة الإيرانية” بعد خروجها من الحالة الفلسطينية، فأنصار إيران فيها قليلون، ولكنهم واسعو النفوذ بحيث تبدو خياراتهم وكأنها اتجاهات عامة، أما الضاحية فإنها لا يمكن إلا أن تكون لبنانية. | |
|
همس الفؤاد مشــرفة ملتقى الصور
عدد المساهمات : 823 تاريخ التسجيل : 08/09/2009 موطنك : عضو غالي ع القلوب
| موضوع: رد: الضاحية الأحد سبتمبر 13, 2009 4:53 pm | |
| | |
|