قصة الشابين المزهزهين في أحد الأعراس وقصة الفتاة التي تلعب بالقنبلة .. الرابط هو المكان .. المكان الذي أفرز الكثير الكثير من البؤس والإجرام .
عبد الباسط المنجد
خلال أحد الأعراس كان هناك شابين يرقصان بطريقة وكأنهما يحلقان في الفضاء .. بطريقة تثير حسد الحاضرين حول كم الفرح والزهو والسعادة لهذين الشابين .. إلا أن الطريقة غير العادية في "الرقص" تؤكد أنهما تجاوزا مرحلة الفرح الى مرحلة أعلى تصل الى درجة النشوة والحبور وهما لم يصلا الى تلك الدرجة لولا تعاطيهما لحبوب الزهزهة التي جعلتهما يحلقان في فضائهما الخاص.
في مكان آخر و بينما كانت الفتاة الصغيرة تلعب بكرة معدنية وقعت منها هذه الكرة وأدت الى مقتل اثنين من المارة ومقتل تلك الفتاة التي سقطت من أعلى شرفتها بفعل الضغط الناجم عن سقوط تلك الكرة المعدنية ... فتلك الكرة لم تكن إلا عبارة عن قنبلة يدوية ... وقعت من يد الفتاة .. وأما من أين حصلت على هذه الكرة (القنبلة اليدوية) .. فمن الممكن أن يلعب ابن الحلاق بالمقصات وابن الدهان أن يلعب بالفرشاة وابنة تاجر الأسلحة تلعب بالقنابل...
إن الرابط بين هاتين القصتين ... قصة الشابين المزهزهين في أحد الأعراس وقصة الفتاة التي تلعب بالقنبلة .. الرابط هو المكان .. المكان الذي أفرز الكثير الكثير من البؤس والإجرام .. إنها منطقة ركن الدين .. و بعبارة أكثر دقة وتحديداً جبل ركن الدين ..
اقتحام الجبل:
كانت وما زالت المشاكل الديموغرافية (السكانية) هي إحدى أهم وأعقد المشكلات التي تواجه الحكومات عبر العالم.
فبعض أفلام هوليود الأمريكية نقلت لنا واقع البنية الاجتماعية لديهم المتمثلة بوجود أحياء عنصرية تعتمد في قوامها على العرق الأسود ... أي الزنوج .. وكانت قد أعطت صورة نمطية للزنوج –سكان تلك الأحياء-على أنهم تجار للمخدرات والأسلحة. ففي أي مكان في العالم يوجد ما يسمى بالأحياء السفلية .. هذه الأحياء التي تقوم نشاطاتها على ممارسة كافة أنواع الممنوعات .. من تجارة الأسلحة والمخدرات وكل أنواع الممنوعات الأخرى.
إلا أن المفارقة أن هذا العالم السفلي لدينا هو سفلي من حيث النشاط فقط أما من حيث المكان الجغرافي فهو يقبع في مكان عال يطل على مدينة دمشق.
ولمن لم يسمع أو يرى جبل ركن الدين .. فهو عبارة عن تركيبات إسمنتية عشوائية كثيفة تمتد من شارع أسد الدين جنوباً -المنظم نوعاً ما من حيث البناء والشوارع - ومنها انطلاقاً الى الأعلى نحو هذا الجبل الذي تتصف أبنيته بالعشوائية تلك العشوائية أفرزت عدداً من الأزقة الضيقة والتشعبات الملتوية التي تزداد تعقيداً وبؤساً كلما اتجهنا نحو الأعلى مما يجعل الوصول إليها صعب المنال .. بحيث تصبح أقرب الى "الحصن" منها الى الأحياء السكنية .. ولم يستطع اقتحام هذا الحصن سوى الهوندايات التي شكلت وسيلة النقل الوحيدة –تقريباً- الى أعلى وهي توجد في أربعة تجمعات التجمع الأول قرب أفران ابن العميد و التجمع الثاني عند طلعة الكيكية والتجمع الثالث عند جسر النحاس أما التجمع الأخير فيوجد في ساحة شمدين هذه التجمعات تعد بمثابة تل فريك منطقة جبل ركن الدين نحو الأعلى .. الجدير بالذكر أن هناك مخفراً للشرطة يقبع في جنوب جبل ركن الدين الى جانب أفران ابن العميد ولكن الرواية الشعبية – التي يتناقلها سكان هذه المنطقة- تشير وبشدة الى تجنب عناصر الشرطة التدخل في الشؤون الداخلية لتلك المنطقة خوفاً من بطش زعاماتها وسطوتهم إلا أنهم يلبون نداء الواجب في حال تطلب الأمر ذلك, حيث أن نسبة كبيرة من سكان منطقة جبل ركن الدين من خريجي السجون وأصحاب السوابق بحيث تشكل لهم الذهاب الى سجن عدرا بمثابة الزيارة أو الإجازة الصيفية وذلك لرؤية الأحبة والأصدقاء.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ما الذي يدفع ببعض سكان تلك المنطقة الى إتباع الأساليب غير القانونية سواء في تجارة الأسلحة أو التعاطي بأنواعه المختلفة بحيث أصبح دخول السجن بمثابة "السيران" بالنسبة إلى بعضهم؟
الفقر + الواقع الاجتماعي المتردي = زهزهة + إجرام !!:
إن تلك المعادلة متوازنة تماماً ولا غبار عليها فالقاسم المشترك الأكبر لسكان تلك المنطقة –منطقة جبل ركن الدين- هو الوضع الاقتصادي المتردي هذا الوضع الذي دفعهم بطريقة ما الى العيش في حي من أحياء المخالفات,أو ربما ولدوا ليجدوا أنفسهم في خضم الكتل الإسمنتية غير المتناسقة التي توحي بالكآبة والحزن سواء من حيث الشكل أو المضمون كل تلك الظروف أفرزت وضعاً اجتماعياً سيئاً فالكثير من العائلات هناك تعاني من المشاكل المادية, فالمشاكل المادية شكلت دافعاً قوياً للسواد الأعظم من شباب تلك المنطقة للبحث عن طرق ما لتنفيس همومه ورغباته حيث وجدوا في حبوب الزهزهة سبيلاً لنسيان الواقع المؤلم والتجاوز الآني للمشكلات فتلك الحبوب لا تكلف الكثير من المال أي أنها بطريقة ما تتناسب والدخل المادي المتدني لسكان تلك المنطقة.
يقول أبو الغضب ضمن هذا الإطار:"كنت أعمل على الهونداية لكي أستطيع أن أصرف على نفسي وعلى عائلتي ولكن وبعد صدور قانون المرور الجديد لم أعد قادراً على القيادة –لكونه لايملك شهادة قيادة خاصة- حيث ستكلفني شهادة القيادة الجديدة 10 آلاف ليرة سورية", وأقسم أبو الغضب "أنه منذ قليل كان جالساً في منزله ويفكر بالقيام بعملية سرقة ما, وأشار بإصبعه الى مجموعة من الشباب الواقفين قربنا وأضاف كل هؤلاء عاطلون عن العمل وهم أصدقائي وأبناء حارتي".
شخص آخر كان واقفاً بجانبنا تدخل في حديثنا قائلاً بصوته الأجش "كيف بدك الناس ما تزهزه وكل المصايب فوق راسها"
إن حبوب الزهزهة هي عبارة عن الأدوية التي تباع في الصيدليات والتي تحتوي في تركيبها على نسبة من المواد المخدرة و بتناول كميات كبيرة من هذه الحبوب يحصل متعاطي تلك الحبوب على تأثير يشابه تأثير المخدرات. والذي يدفعهم الى تعاطي الحبوب وعدم تعاطي المخدرات أن الحبوب أرخص المخدرات فغرام الهيرويين قد يساوي 5 آلاف ليرة سورية وربما أكثر في حين تتراوح سعر علبة البروكسيمول 50 ليرة سورية وتحتوي على 20 حبة بمعدل 2.5 ليرة سورية للحبة الواحدة في حين تبلغ سعر علبة البالتان 86 ليرة سورية وتحتوي على 50 حبة أي بمعدل 1.72 ليرة سورية للحبة الواحدة تلك الأسعار في حال استطاع المتعاطي تأمينها من إحدى الصيدليات أما من السوق السوداء فيبلغ سعر العلبة بين 200 الى 250 ليرة سورية.
الزهزهة من الناحية الطبية فان مفهوم الزهزهة يتمثل بإدخال مواد مخدرة إلى الجسم لتنشيط عمل القسم الدماغي المسؤول عن فرز مادة المورفين لدى كل شخص، وتحقق مادة المورفين عندما تفرز داخل الجسم حالة من الشعور بالفرح و السعادة, حيث تكمن الخطورة في استحضار هذه الحالة باستخدام المواد المخدرة فيصبح المدمن أسيراً لهذه المواد ويزيد من الجرعات التي يتناولها في كل مرة من أجل إحساس أكبر بالنشوة أو ما أطلقنا عليه با"الزهزهة".
إن مدمني هذه الحبوب هم في خط الوسط بين إدمان التدخين و بين إدمان المخدرات فهم لا يصلون الى درجة العدائية والنوبات القوية في حال لم يتم التعاطي ولكن الإقلاع عن التعاطي أصعب من الإقلاع عن التدخين إلا أن ضرر حبوب الزهزهة ورغم سعرها المنخفض مقارنة بالمخدرات (كالهيرويين) ضررها يتمثل بالموت المفاجئ بسبب الجرعات الزائدة إلا أن ذلك يعود لطبيعة جسم المتعاطي وقدرته على تحمل تلك الأدوية وذلك حسب ما أفادنا به أبو الغضب.
أنواع حبوب الزهزهة:
إن حبوب الزهزهة من حيث الغرض الذي صنعت لأجله تستخدم كمسكنات مركزية أو تستخدم لعلاج الأمراض النفسية كمرضى الصرع ومختلف الأمراض النفسية الأخرى.
حيث تقوم تلك المسكنات المركزية بتثبيط المراكز العصبية المسببة للألم وقد يترافق تأثير بعضها ببعض الأعراض الأخرى كارتخاء العضلات.
فحبوب البالتان الشهيرة إحدى استخداماتها لعلاج مرضى الصرع .. و البروكسيمول الممنوع من التداول إلا بوصفة طبية والذي يعتبر مسكن قوي للألم يرافقه ارتخاء عام في عضلات الجسم . وبزيادة جرعة التناول يترافق هذه التخدير بحالة من "السخسخة" المتمثلة في زيادة هذا الارتخاء عن الحد الطبيعي, وكما هو معروف أيضاً فالكثيرون أدمنوا على شرب شراب السعال السيمو الأخضر .. الذي يحتوي في تركيبه على نسبة من الكودائين.
ولعل من أطرف أنواع الحبوب تلك التي تحتوي على مادة الزلام في تركيبها والمعروفة باسم الزلام (بضم الزاي) .. فهذا الدواء يستخدم لعلاج المرضى النفسيين الذين يعانون من الرهاب والخوف من الآخرين ولدى تعاطي هذا الدواء بجرعات كبيرة فان الشخص المتعاطي سوف يرى جميع الناس الذين أمامهم كالذباب .. ويصبح قلبه أقوى وقادراً على مصارعة الجميع .. أي انه سوف يتحول لفان دام في أيام شبابه أو الى أسامة في مسلسل الجوارح...وسوف يتمتع بقدرة هائلة ..أقرب الى الجنون منها الى الواقع .. بمعنى انه سوف يستطيع الهجوم على عشرة أشخاص مجتمعين دون خوف .. والسبب في ذلك أن زيادة الجرعة في تعاطي هذا الدواء تسبب الهلوسات وهنا يتخيل المتعاطي نفسه فان دام .. أو أسامة سالفي الذكر. وغالباً ما يتم تعاطي هذه الحبوب قبل الدخول "بعلئة" أو قبل المشاركة في "فزعة".
احذروا التلغيم:
التعاطي والإدمان على الحبوب لدى أوساط "الحبحبجية" أصبحت أمراً عادياً كالتدخين ولعب ورق الشدة وشرب الشاي .. وتحديداً عند موضوع شرب الشاي فهنا يجب الحذر إن كنت تعيش ضمن أوساط الحبحبجية .. فقد يكون إبريق الشاي سالف الذكر "ملغوما"ً. ولكن ما معنى التلغيم أو أن يكون أبريق الشاي ملغوماً ؟؟!!
التلغيم عبارة عن كاسة شاي أو فنجان قهوة أو أي مشروب آخر أضيف إليه بعضاً من حبوب الزهزهة المسحوقة جيداً و لتمييز كاسة الشاي الملغومة نستطيع أن نميز طبقة بيضاء شفافة على سطح الكاسة وربما بعض النقاط البيضاء في حال كانت عملية الطحن تمت بسرعة.
كيف تحضر إبريق شاي ملغوم مثالي؟؟:
الطريقة بسيطة جداً فيكفي الحصول على عدد معين من الحبوب كالبروكسيمول أو البالتان –الكمية حسب درجة الزهزهة المطلوبة- ويجب سحق هذه الحبوب جيداً بحيث تصبح ناعمة كالبودرة وتوضع داخل إبريق الشاي مع الماء الساخن لكن يجب مراعاة وضع ربع الكاسة سكر وذلك لتجنب أن يصبح الشاي مراً –لأن الأدوية بطبيعة الحال مرة- وبعد ذلك يمكنكم أن تلعبوا التركس وتحتسوا الشاي وأنتم في قمة السعادة والزهزهة .. تلك الطريقة أفادنا بها أبو فهد أحد أعمدة الزهزهة في منطقة جبل ركن الدين.
مغامرة بين قبور تربة الشيخ خالد:
أثناء حديثنا مع أبو الغضب والذي كان دليلنا لفك رموز تلك المنطقة والدخول في تفاصيل العيش فيها أشار لنا الى أن تربة الشيخ خالد هي مكان التجمع المسائي لدى أوساط الباحثين عن الزهزهة بأنواعها المختلفة (مخدرات – جن – بالتان –بروكسيمول – علاقات غير شرعية) ولقطع حبل الشك باليقين أخذنا أبو الغضب الى تربة الشيخ خالد وهي إحدى مقابر المنطقة يصعب الوصول إليها وهي ذات إطلالة خلابة على جزء من مدينة دمشق, ولدى وصولنا الى تربة الشيخ خالد توجهنا الى احد أقسامها والقريب من بابها الشمالي لنجد احدى علب شراب السيمو الملقاة الى جانب أحد القبور وبعض الظروف الفارغة (أنواع مختلفة) بالإضافة الى كمية من علب الدخان المتناثرة هنا وهناك والتي تستخدم لتدخين الحشيش حيث تبلغ تكلفة ربع الأوقية من الحشيش 1000 ليرة سورية تكفي 20 سيجارة ولكن الأمر يعود الى المحشش نفسه ودرجة استهلاكه للحشيش في نهاية الأمر, ولكن ما راعني فعلاً خلال زيارتي لتربة الشيخ خالد مشاهدتي ل"للسيرنغ" الذي يستخدم لضرب الإبر كما راعني أيضاً وجود زجاجة "جن" وهو أحد أنواع المشروبات الروحية.
إن كل ما شاهدته يمثل واقعا عملياً أن تربة الشيخ خالد هي المكان الأوحد للزهزهة (حبوب + شراب) و المكان الأوحد لتعاطي المخدرات (سيرنغ).
سألنا أبو الغضب لماذا تربة الشيخ خالد تحديداً ؟؟ ألم يجدوا مكاناً أفضل يزهزهون فيه ؟ فأجابنا بكل بساطة "هنا لا يراهم أحد" وخاصة في بعض الزوايا لتلك المقبرة.
ملاسنة كلامية, فمشاجرة, فإجرام, فثأر :
بعيداً عن الزهزهة والحبحبة و حيثياتها وأسبابها وبالعودة الى الهوندايات والتي وجدت في تلك المنطقة كحل سريع وفعال للطبيعة التضريسية لتلك المنطقة فإنها كانت بطريقة أو بأخرى إحدى الشرارات التي تبدأ على إثرها المشكلات وذلك وفق السيناريو الآتي:
هونداية أولى صاعدة في أحد الأزقة الضيقة وأخرى هابطة نحو الأسفل لتتلاقيان في نقطة ما في المنتصف وهنا تبدأ مرحلة "يباسة وتكبير الرأس" وذلك حسب وصف شهود العيان, فالصاعد لا يفسح الطريق للهابط ولا الهابط يفسح الطريق للصاعد. فيقفز كل منهما من هوندايته التي هي- بنظره أحلى من المرسيدس- لتبدأ ملاسنة كلامية حول أحقية الطريق ليتطور الموضوع بسرعة الى مشاجرة قد تستخدم بها الأيدي وبعض الأسلحة البيضاء وتتناثر بعض الدماء "فيعلِم أحدهما على الآخر", وهنا يجن جنون المعلَم عليه.. فلا ينام له جفن إلا بأخذ الثأر فيجمع أصدقائه وأحبائه فيفزعون له وهنا تبدأ معركة حقيقة قد تستخدم فيها بعض أنواع الأسلحة الخفيفة كالروسيات وبعض القنابل اليدوية وقد يذهب فيها ضحايا بشرية وقد يكون الضحية من عائلة أخرى ليبدأ الهرج والمرج في تلك المنطقة. فمن الاعتيادي جداً لقاطني تلك المنطقة أن يسمعوا أصوات إطلاق الرصاص ليلاً فهم قد ألفوا هذه الأجواء.
بالعودة مرة أخرى الى الهوندايتين العالقتين في الزقاق الضيق وضمن سيناريو آخر يفسح أحدهما للآخر وهنا يمضي الأمر على خير وتحقن الكثير من الدماء.
الجدير بالذكر أن بعض من هذه الهوندايات تحسبها لوهلة وكأنها ستيريو متنقل أو أن "الأميغوس" قد افتتح فرعاً له في الجبل ولا يهمهم الوقت أكان الساعة ال 12 ظهراً أم ليلاً تلك الظاهرة سببت الكثير من الإزعاج لسكان المنطقة.
تجارة الأسلحة: لعل النزاعات في منطقة جبل ركن الدين قد جعلت بعض سكان المنطقة في سباق محموم نحو التسلح وقد تطور الأمر لدى البعض باقتناء الرمانات (القنابل اليدوية) وبعض الرشاشات الخفيفة والمسدسات الحربية.
بالإضافة الى أن هناك بعض الأزقة المعروفة بالاسم والتي نتحفظ عن ذكر اسمها التي لا يمكن المرور فيها ليلاً أو الوقوف فيها (بمعنى التسكع فيها ليلاً) ولو لمدة خمسة دقائق لأن صاحب تلك الوقفة سوف يكون مع موعد مع القدر, فسكان تلك الحارات حريصون كل الحرص على أمنهم الداخلي, وسوف يعتقدون أن هذا الغريب الزائر الليلي الذي يتسكع في حارتهم "من الشباب" لذلك يقومون بتصفيته درءاً للخطر عن أنفسهم.
أما عن مصدر تلك الأسلحة فهي غالباً ما يتم الحصول عليها عبر منافذ التهريب المختلفة.
العيش والتعايش في الجبل:
السؤال الذي يطرح نفسه هل من المعقول أن سكان تلك المنطقة جميعهم سيئون؟!
هل جميعهم حبحبجية أو أن جميعهم مسلحون؟, والجواب "لا" والدليل على ذلك أمثلة واقعية التقينا بها لأناس ناجحين في عملهم وفي حياتهم الاجتماعية وصفوا تجربتهم في الحياة ضمن هذه الأحياء و التعايش في البيئة العامة لتلك المنطقة, فالسيد وليد طالب جامعي في قسم علم الاجتماع وصف لنا أن العيش في حي ركن الدين جيد على الرغم من كونه حي عشوائي وذلك بسبب القرب من مركز المدينة وهو أفضل بكثير من العيش ضمن الضواحي, وعند سؤالنا له حول البيئة الاجتماعية والوسط الاجتماعي المحيط, أجاب قائلاً: بأنه يعيش في منطقة جبل ركن الدين منذ طفولته وهو قد اعتاد على تلك البيئة الاجتماعية وهو على دراية بكل المشاكل التي تحدث. ومن خلال حديثنا معه قال: "هناك في حارتي أشخاص معروفون بأسمائهم من كل عائلة فهم أصحاب مشاكل وهم على حد وصفه "بلوعة العيلة" أي أنهم من يثير المشكلات والفتن, ولكن طبيعة السكان التفاعلية تجعلهم يفزعون لأصحاب المشاكل من "باب الكفونة", مما يؤدي الى اتساع نطاق تلك المشاكل عن الحد المعهود.
سألناه لماذا يفزعون لأصحاب المشاكل أليس لهم شؤون خاصة يتابعونها بدلاً من الخوض في تلك المشاكل؟؟
فأجاب أن طبيعة الأشخاص هنا "حامية" بالإضافة الى أن الكثير منهم عاطلون عن العمل والبعض منهم تتطلب طبيعة عملهم الوقوف في الشارع – في إشارة منه الى سائقي الهوندايات - مما يؤدي الى انخراطهم في المشكلات.
وقد عبر السيد وليد أن كثيراً من المشكلات تحدث بسبب أمور التحرش بالفتيات فهم يثورون لتلك الأمور كثيراً ويعتبرونها قضية عرض.
كما عبر وليد عن إحدى تجاربه في التعايش مع بعض أبناء منطقته من "أصحاب المشاكل" أنه ذات مرة قد اشترى "راحة باله" بمبلغ أربعة آلاف ليرة سورية وذلك عندما كان يقود سيارته في أحد الأزقة الضيقة جداً فدهس قدم أحدهم وهو المعروف عنه بأنه سليط اللسان وصاحب السوابق والذي أخذ يصيح في الشارع وشعر بأنه سوف يبدأ مشكلة معه وعرض عليه أن يأخذه الى المشفى, ولكن سليط اللسان رفض ذلك وبعد يومين أرسل له خبراً انه يريد مبلغ أربعة آلاف ليرة "أجار عطلتو" وهو العاطل عن العمل مما دفع وليد الى تسديد المبلغ له, وذلك لتجنب الدخول بمشكلات ومهاترات معه, أو لتجنب أن يقوم بالتعرض الى أحد من عائلته في الشارع وختم حديثه قائلاً هذه ضريبة السكن في هذه المنطقة والبندورة الفاسدة في السحارة تفسد السحارة بأكملها في إشارة منه الى أن هذه المنطقة جيدة بأهلها إلا أن البعض أساء لسمعتها.
رواية أخرى يرويها بعض أهل المنطقة حول قصة أحد الشبان الذي يقطن في المنطقة والتي دبت فيه الحماسة أثناء الغزو الأمريكي للعراق والمعروف برجولته وقوته ومن باب "الكفونة والدم الحامي" اتجه نحو العراق واستشهد هناك في معركة المطار, وقد ذكر أحد أصدقائه الذي عاد من العراق أنه كان يقتل الأمريكان باستخدام السكين.
إن جبل ركن الدين هو جبل من حيث الطبيعة التضريسية وجبل من تراكم الممنوعات والبؤس والفقر ولعل الفقر وقلة فرص العمل هي السبب الجوهري والأساسي لذلك الواقع المتردي لتلك المنطقة والسبيل لحل مشكلات تلك المنطقة هو بمكافحة الفقر وإيجاد فرص العمل فالحصول على المال الوفير والعيش الكريم هو الزهزهة بعينها دون الحاجة الى اللجوء الى الحبوب و توابعها.
لطشات سريعة:
1- شخص هورنجي أي يتعاطى الهيرويين .. باع بونات المازوت 1000 لتر بمبلغ 4500 ليرة سورية من أجل شراء حاجته من الهيرويين.
2- اسم الدلع للهيرويين " هورو"
3- متعاطي الهيرويين وبحسب شهادة بعض أبناء المنطقة "قلبو طيب" ودليلهم على ذلك أن احد فقراء الحي كان يستجدي المال من أجل شراء دواء لطفله ولم يعطيه أحد, وكان هورنجي جالساً على طرف الطريق فناداه وقال له "خود هالمئة ليرة واشتري دوا لابنك أنا ناقصني 150 ليرة لاشتري علبة بالتان وهلأ صار بينقصني 250 ليرة " وتفسيرهم لطيبة القلب تلك أنه يشعر بحاجة الآخرين, أما الشخص الغني لا يشعر – حسب رأيهم - بحاجة الآخرين للمال ومن هذا المنطلق يعطي الهورنجي المال للمحتاجين